الاتفاق السياسي الجديد في ليبيا

الاتفاق السياسي الجديد في ليبيا
 
الاتفاق السياسي الجديد في ليبيا فبراير2021م،
 التحديات وفرص النجاح
 
     د. محمد عبدالحفيظ الشيخ
عميد كلية القانون، جامعة الجُفرة ــ ليبيا
ملخص:
    تحلل هذه الورقة مخرجات ملتقى الحوار السياسي الليبي الذي يُعدُّ أهم المبادرات السياسية لإنهاء الانقسام السياسي والمؤسساتي في ليبيا بعد اتفاق “الصخيرات”، وترى الورقة أن النجاح الليبي في انتخابات رئاسة الحكومة، والمجلس الرئاسي الجديد في 05 فبراير 2021م، يعدّ اختراقاً أممياً واضحاً بعد الدور الكبير الذي اضطلعت به المبعوثة الأممية بالإنابة “ستيفاني وليامز”، والتي يقف خلفها الدور الأمريكي، وهو بمثابة انفراجة فارقة في خط المقاربة، وفرصة مهمة  ومشجعة للخروج من الأزمة الليبية الراهنة. 
 
   كما تناقش هذه الورقة تحديات التعطيل التي يمكن أن تعترض نجاح حكومة عبدالحميد الدبيبة في أداء مهامها، ومدى التنازلات التي ينبغي أن يقدّمها فرقاء العمل السياسي الليبي ومدى المرونة التي ينبغي أن تبديها الجماعات المسلحة من أجل إنجاحها، قبل أن تنزلق البلاد برمتها في مستنقع الفوضى والصراعات. إضافة إلى أنها تناقش تقاطعات القوى الإقليمية والدولية ومواطن افتراقها مع الحالة الليبية الراهنة، وتأثيراتها الإيجابية والسلبية في فرص خروج ليبيا من حالة التأزم القائمة. 
 
   يبقى نجاح حكومة عبدالحميد الدبيبة في تحقيق الاستقرار مرهوناً باستمرار دعم الأمم المتحدة وبعثتها للدعم، وهو ما يتطلّب اتخاذ خطوات ملموسة بفرض عقوبات صارمة على الأطراف الليبية المُعرقلة للحوار، وكذا الأطراف الإقليمية والدولية التي تنتهك قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا. أمّا في حال تهاونت الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة في احتواء الأزمة الليبية، ولم تتوافق القوى الإقليمية على خطة الانتقال للوصول إلى الانتخابات المقرر إجراؤها في نهاية ديسمبر 2021م، ما يفتح الباب أمام تمديد جديد للمرحلة الانتقالية، ليتكرر سيناريو ربما أشبه بسيناريو الصخيرات والمجلس الرئاسي المنبثق عنه. وبالتالي فإن التوتر سيكون سيد الموقف، وسيكون له تأثير قوي على مآل الأوضاع السياسية مستقبلاً في ليبيا.
 
 
 
 
مقدمة:
     في ضوء معطيات المشهد الليبي ما بعد الثورة التي أطاحت بنظام القذافي سنة 2011م، وما ترتّب عنها من شرخ عميق أصاب المجتمع الليبي ومؤسساته السياسية، دخلت الدولة الليبية في متاهة صراع مرير تعدّدت أدواته وخائضوه، في ظل غياب المؤسسات الأمنية والعسكرية القادرة على القيام بمهماتها. كما أن النخب الليبية الحاكمة التي تولت إدارة الشأن العام ورسم خطط سيره ما بعد سقوط النظام، لم تكن بالنضج الوطني والمؤسسي، وهو ما أسهم في تشجيع ودخول قوى خارجية اتخذت الساحة الليبية مسرحاً ملائماً لتصفية حساباتها الاستراتيجية المتعلقة بالتدافع، وإبراز هيبة الحضور، والنفوذ، والتأثير، بطرائق لا تراعي المصالح الحيوية لليبيا.
 
  فحجم التدخل وحدّته التنافسية وتزاحم الفاعلين الدوليين والإقليميين في الساحة الداخلية الليبية، اشتدّ في ظل عجز الأطراف الليبية عن التحرّك بصفة مستقلة، فدخلت البلاد في حرب بالوكالة، لصالح أجندات دولية وإقليمية، حتى أدّت تدخّلاتها إلى مزيد من تصلّب مواقف الفرقاء الليبيين، بحيث أسهمت سلبياً في تشظي الواقع الداخلي، وعززت من انقسامات الرأي السياسية، وتوسيع شرخ القوى الاجتماعية المتباينة، بما يحول دون تقاربها، لتذهب ليبيا بعدها منقسمة على نفسها بين شرقٍ وغرب متناحرين، ممّا جعل خيار التسوية بين الفرقاء مشكلة يصعب فك طلاسمها وحلحلة كل تعقيداتها. وأمام مشهد متجاذب كهذا، لم تجد القوى السياسية الليبية المتباينة من حيلة سوى ركوب موجة التدخلات، من دون التحكم في مساراتها، وتقاطعات القوى الخارجية فيها ومواطن افتراقها.
 
   وبرغم جهود الدعم الحثيثة التي بذلتها الأمم المتحدة وبعثتها لإنهاء الصراع في ليبيا بشكل تام، إلّا أنها لم تنجز اختراقاً حقيقياً لجمع الفرقاء الليبيين وتجاوز المعضلات التي تمثل جوهر الصراع الليبي. ولم تنجح كل المبادرات والخيارات السياسية في تقديم تصورات وخرائط لتقاسم السلطة، نظراً للكوابح الإقليمية والدولية ودورها في إذكاء الصراع بين الفرقاء الليبيين. 
 
  ولم يَعْرف المشهد الليبي تهدئة إلا مع الجهود الأممية الأخيرة، التي انبثقت عن مؤتمري برلين، وجنيف بتسوية أثمرت عن وقف دائم وشامل لإطلاق النار، وهو بمثابة انفراجةٍ فارقة في خط المقاربة، لمنح جولات الاتفاق السياسي فرصة النجاح، وإيجاد مخرج مرضي للتسوية بين الفرقاء الليبيين. وبدأت تلوح في الأفق مؤشرات إيجابية توحي بقرب انفراج الأزمة التي طال أمدها، خصوصاً بعد نجاح ملتقى الحوار السياسي الليبي في انتخاب سلطة تنفيذية جديدة في        05 فبراير2021م، ومنحها ثقة مجلس النواب، التي تعدّ خطوة مهمة نحو إنهاء حالة الانقسام واستعادة روح الشراكة بين فرقاء العمل السياسي الليبي. وعليه، فإن مجموعة المتغيرات المحلية والإقليمية والدولية تشكّل بالنسبة للحكومة الجديدة في ليبيا فرصة وتحدياً في آنٍ. 
 
   تكمن أهمية الدراسة في كونها تتناول مخرجات الاتفاق السياسي الجديد في ليبيا، الذي يعدّ أهم المبادرات السياسية بعد اتفاق “الصخيرات”، وفرص نجاح الحكومة الجديدة في ضوء التحديات الماثلة أمامها في إنجاز خارطة الطريق في المرحلة الانتقالية. وتستقرئ المسارات المحتملة للأزمة الليبية، ولا سيّما فيما يتعلق بتأثير تشكيل الحكومة الجديدة على وحدة ليبيا وأمنها واستقرارها وسيادتها الوطنية.
 
  وتسعى الدراسة إلى تحقيق جملة من الأهداف أهمها:
 
1- تتبع محطات الحوار السياسي الليبي ومساراته، وصولاً إلى انتخابات الحكومة الليبية الجديدة والتعرّف على مجمل الظروف والسياقات المحيطة بآلية تشكيلها وتحليل دلالاتها السياسية.
 2- رصد جملة الصعوبات التي تعيق عمل الحكومة الجديدة في المراحل الآتية، وفرص نجاحها في تحقيق الاستقرار وعودة الدولة الليبية موحدة بمؤسساتها. 
3- توضيح تأثير التدخلات الإقليمية والدولية على مسار التسوية وأهمية كبح تلك التدخلات.
 
  وفي ضوء ذلك، تنطلق إشكالية الدراسة من تساؤل مركزي نابع في الأساس مما يحدث في ليبيا من متغيرات متلاحقة في ظل مشهد مضطرب: ما هي فرص نجاح الاتفاق السياسي الليبي الجديد في ضوء التحديات الماثلة، وآفاق المستقبل الذي تتجه نحوه الدولة الليبية؟ 
 
   ويتفرع من السؤال الرئيس عدة أسئلة فرعية هي:
      
ما مدى قدرة الحكومة الليبية الجديدة في تحقيق الأمن والاستقرار وإنجاز الانتخابات في 24 ديسمبر 2021م؟ 
 
هل الأطراف الليبية على استعداد لتقديم التنازلات اللّازمة لنجاح الاتفاق السياسي؟ 
 
هل المجتمع الدولي سيواصل الدعم الكافي للدفع بعملية التسوية، بحيث يمكن أن يكبح نفوذ وتدخلات القوى الدولية والإقليمية كروسيا، وفرنسا، وتركيا ومصر، بحيث تُنهي الصراع بشكل تام، أم أنها ستترك الحكومة الجديدة تواجه تحديات المرحلة الآتية وحدها؟  
 
  وهنا نفترض أن كل القوى الوطنية الليبية، ودول الإقليم، والبعثة الأممية سوف تتجه إلى دعم الحكومة الجديدة وتوحيد الجهود للحفاظ على الاستقرار ووحدة الكيان السياسي دون نشوب أي صراع محتمل، لما له من مخاطر على مستقبل التسوية ونجاحها، ومصير الأمن والاستقرار على دول المنطقة برمتها.
 
أولاً: محطات الحوار السياسي الليبي: 
 
   شهدت عملية التوافق السياسي في ليبيا، محطّات ومسارات متعدّدة، واختلفت مضامينها ومخرجاتها، بدءاً من الاتفاق السياسي “بالصخيرات” عام 2015م، كانت المغرب حاضرة في المشهد السياسي الليبي، وتقف على مسافة واحدة بين الفرقاء أملاً في نجاح التسوية، ووضع مقاربات مرضية لكلا الفريقين. 
 
  ظلت روزنامة المصالحة مفتوحة ومستمرة، وتنتقل من دولة إلى أخرى. فباريس، وبرلين، وجنيف، وبوزنيقة، والقاهرة. واستمرّ الجدل حول أنجع السبل إلى واقع يعيد الطريق لتسوية سياسية، وتهيئة الأجواء لتدّخل فاعل بعد تجربة غير تصالحيّة من إشكالية التدّخلات السابقة، تفتح أمامها مسار الخروج من الهاوية، يمكن من خلالها أن ينعم الليبيّون بسلام منصف ومستدام().  
 
    وفي سياق ردود الفعل الإقليمية إزاء الوضع الليبي المأزوم، شكّل الاتفاق السياسي عند توقيعه في الصخيرات المغربية في ديسمبر2015م، نجاحاً مهماً في طريق حل الأزمة، بعد أن دفعت البعثة الأمميّة أطراف النزاع الليبي إلى الحوار بدعم إقليمي ودولي. لكن بالحكم على النتائج التي أفضى إليها تطبيق الاتفاق السياسي، لم ينجح في تحقيق الاستقرار السياسي، ومنع الصراع من أن يأخذ أشكالاً عنيفة. وإن المتحاورين الذين وصلوا إلى مرحلة التوقيع على اتفاق التسوية، لم يتمكنوا من تحقيق المصالحة الشاملة ووضع حدّ للصراع الداخلي().  
 
   وهكذا بدلاً من أن يمثل الاتفاق السياسي بداية مرحلة جديدة من التوافق، أصبح يمثل سبباً رئيساً في تعميق الانقسام الاجتماعي، وكرّس على نحو خاص التباين بين الأطراف المتصارعة في شرق البلاد وغربها، وخلق ذلك خريطة كثيرة التشظي، وهو ما سمح بمزيد من التدخّلات الخارجية. والنتيجة كما رأيناها: حكومتان في البلاد، برلمان وحكومة مستقلة في الشرق الليبي يرأسها عبدالله الثني، يقابلها حكومة الوفاق الوطني في طرابلس الغرب، يقودها فائز السراج، وتداخلت في نطاقهما ليس السياسة والأيديولوجيا فقط، وإنما أيضاً المصالح، والأجندات السياسية، والأمنية، والاقتصادية المحلية والخارجية، في إطار التجاذب الكبير.
 
  ولابد من الإشارة إلى التناقض الذي صار يمّيز مواقف القوى الخارجية، فمن جهة تدعو لحل سياسي للأزمة الليبية وتؤيد اتفاق “الصخيرات” ومخرجاته، ودعم جهود البعثة الأممية بهدف تحقيق مقاربة واقعية لجمع الفرقاء الليبيين، وفي الوقت نفسه، تذكي الصراع بدلاً من حلحلته، من خلال التصعيد الميداني العسكري؛ لعرقلة مسار الحل السياسي السلمي وشلّه().
   
   وفي إطار جهود التسوية، عُقد في العاصمة الفرنسية باريس في يوليو2017م، لقاءً جمع الفرقاء الليبيين، في محاولة لتقريب وجهات النظر بينهما، وأكد الاتفاق على ضرورة وقف إطلاق النار من أجل تأمين الحل السياسي عبر مصالحة وطنية، بوصفها بوابة العبور نحو إنهاء الأزمة. لم تتوقف المساعي الفرنسية عند هذا الحد، بل عملت على عقد اجتماع دولي آخر في مايو2018م، جمع طرفي الصراع الليبي، إضافةً إلى ممثلي أكثر من 20 دولة، ومجموعة من المنظمات الدولية والإقليمية، وقد تمخّض عن الاجتماع اتفاق ينص على ضرورة إجراء انتخابات رئاسية وبرلمانية، مع وضع أسس دستورية للانتخابات ومساءلة كل من يعرقل العملية الانتخابية. إضافةً إلى دعم جهود البعثة الأممية للدعم في ليبيا بشأن اقتراح زمني لاعتماد الدستور، وتوحيد المؤسسات المالية، والاقتصادية، لاسيما البنك المركزي، وتعزيز بناء المؤسسات الأمنية والعسكرية تحت إشراف أممي، إلا أن عقبات كثيرة واجهت الاتفاق، وكان المآل الفشل في الوصول إلى التسوية السياسية(). 
 
  مع استمرار الجهود الأممية لإخراج البلاد من أزمتها العميقة، أعلن المبعوث الأممي الخاص إلى ليبيا “غسان سلامة”، عن تنظيم “الملتقى الوطني الجامع” في مدينة غدامس، في منتصف أبريل 2019م، وأبدت البعثة الأممية حرصها على عدم استثناء أي طرف، ووجهت الدعوة إلى مختلف الشرائح السياسية الليبية(). إلا أن تعاظم الصراع العسكري ودخوله مرحلة حرجة مع بدء خليفة حفتر هجوماً شاملاً على العاصمة طرابلس في الرابع من أبريل 2019م، وهو ما أسفر عن إضاعة الفرصة أمام الجهود الأممية المكثفة، لاستكشاف مواقف الفرقاء الليبيين من التسوية، كما نتج عنه ردود أفعال دولية واسعة ومتباينة تعكس مدى التخوف من تطور الأوضاع نحو الأسوأ، والذي خلّف مخاوف جدّية ليس داخل ليبيا فحسب، وإنما كل دول المنطقة التي ترى في الأزمة الليبية بأنها تشكّل تهديداً جدياً لأمنها واستقرارها().
 
    وسط حراك دبلوماسي حثيث حول ليبيا، عُقد في 10 يناير 2020م، مؤتمر برلين وبمبادرة ألمانية، وقد كان هدفه تسريع الجهود لتحقيق وقف إطلاق النار بين طرفي النزاع الليبي، وكذا إلزام القوى الخارجية بوقف دعم الأطراف الليبية بالسلاح، والدفع نحو حل سلمي(). إلا أنه فشل في تحقيق ذلك، فلم تفِ القوى الفاعلة بتعّهداتها المتعلقة بإنهاء التدخلات الخارجية في الأزمة الليبية. إذ شرعت تركيا بالتدخل المباشر والمُعلن والنوعي، استهدفت من خلاله قوات حفتر وخطوط إمداده وقواعده، والتي اضطرت بعدها إلى الانسحاب من محيط طرابلس إلى حدود سرت شرقاً والجُفرة جنوباً(). ولولا ضغوطات دولية وإعلان القيادة المصرية في 20 يونيو 2020م بشكل حاسم أن سرت والجُفرة خط أحمر بالنسبة لمصر، لا يمكن لقوات حكومة الوفاق والقوى الداعمة لها تجاوزه، لكانت الأخيرة قد وصلت تخوم بنغازي، وهو ما يزيد الوضع الليبي تعقيداً، ويجرّ البلد إلى كارثة حقيقية(). 
 
    وأمام هكذا مشهد متأزم، ظلت الأزمة الليبية تراوح مكانها، فلا الحسم العسكري ممكن ولا الحل السياسي محتمل، في سياق حالة من الاستقطاب الإقليمي والدولي، وغياب إرادة دولية فاعلة لوضع حدٍ لهذه المأساة. يبدو أن بيئة التوازن العسكري بين أطرف الصراع الليبي؛ لاسيّما بعد دخول الدعم السياسي والعسكري التركي، خلق بيئة مواتية ومناخ مشجع لدخول الولايات المتحدة بغطاء أممي على خط التسوية وحلحلته نحو حل نهائي. وهو ما أسهم في توقف المعارك عند تخوم سرت والجُفرة، وفتح هامشاً لحراك دبلوماسي؛ مع قناعة تامة لدى الطرفين بأن الحل السياسي خياراً بديلاً عن الحل العسكري الذي يبدو الحسم فيه لطرف بعينه بعيد المنال، في ظل توازن الأوضاع ميدانياً، واقتناع القوى الخارجية المنخرطة في الصراع الليبي بعدم جدوى الرصاص في إقصاء الطرف الآخر من المعادلة السياسية، ليصلا في نهاية الأمر إلى تفاهم يرتكز على وقف دائم لإطلاق النار، والجلوس إلى طاولة حوار بهدف الوصول إلى تسوية سياسية تنتج عنها حكومة توافق جديدة تضم الفرقاء. ناهيك عن انكشاف، وتعري أجندة القوى الخارجية التي تشحن الساحة الليبية وتعبئها نحو الاحتراب، بدلاً من دفع القوى الليبية نحو تقارب، أو تسوية تجنّب ليبيا الدمار، واستنزاف طاقاتها البشرية، وإهدار مواردها ومقدراتها().
ثانياً: أهمية الدور الأممي بالتوازي مع الحضور الأمريكي الفاعل:
 
  بدأت تتطّور مقاربات لدى طرفي الصراع الليبي، تميل إلى تبنّي سلوك سياسي معتدل وإلى تفضيل التسويات، حين أدركت تلك الأطراف أنّ تكلفة استمرار الصراع هي أكبر من تكلفة التخلي عنه.  كل ذلك، خلق بيئة مناسبة، ومناخ مشجع لإحياء حقيقي، وترجمة واقعية لاتفاقيات الصخيرات، ومفاوضات جنيف المنبثقة عن تفاهمات برلين وتحديداً منها العسكرية، فقد أعلنت الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة “ستيفاني وليامز”، أن البلد يمر بمنعطف خطير، مشيرةً إلى أنه لا يوجد بديل عن تسوية سياسية يجري التوصل إليها عن طريق التفاوض حول استئناف مبكر لعملية السلام. وجاء تصريح وزير الخارجية الأمريكية الأسبق “مايك بومبيو” رافداً لذلك، فقال إن “على الدول التي تتدخل في الشأن الليبي أن تكف يدها بأقرب وقت، وتترك المجال للفرقاء الليبيين كي يصلوا إلى حلول سريعة، نظراً لما لطول الأزمة من مخاطر على أمن واستقرار ليبيا وكامل المنطقة().
 
  تمثّل اتفاقية “جنيف” برعاية أممية لوقف دائم لإطلاق النار في ليبيا معطيات في المشهد الليبي، تقول بأن حلحلة الملف الليبي مؤخراً جاء بجهد المبعوثة الأممية “ستيفاني وليامز”، من دون إغفال الدخول الأمريكي القوي والفاعل على خط التسوية. وعلى إثره تراجعت قوات حفتر من محيط العاصمة طرابلس، وباتت الفرصة سانحة لجهود المصالحة أن تؤتي ثمارها، بعدما توصل طرفي النزاع الليبي إلى اتفاق دائم وشامل لإطلاق النار. وتم التوافق بين الطرفين على تشكيل لجنة عسكرية مشتركة (5+5)، كما تم التأكيد على أن حل المشكلة يبقى بيد الليبيين أنفسهم. وفي ضوء ذلك، أعلنت المبعوثة الأممية بالإنابة “ستيفاني وليامز”، في بيان لها “أن محادثات جنيف توجت بإنجاز تاريخي، بعد توصل الفرقاء إلى اتفاق دائم لوقف إطلاق النار في جميع أنحاء ليبيا”، وأضافت أن هذا الإنجاز يمثل نقطة تحول مهمة نحو تحقيق السلام والاستقرار في ليبيا. وأن ذلك الأمر مرهوناً برفع قوى التدخل الخارجي السلبي يدها عن التأثير وممارسة الضغوط القوية على الفرقاء الليبيين().
 
   لكن المتغير في المشهد الليبي بدا واضحاً من خلال الحضور الأمريكي الفاعل، لمنح جولات الاتفاق السياسي فرصة النجاح، ومن ثم إيجاد مخرج للتسوية ووضع مقاربات مُرضية للفرقاء الليبيين، وهو ما يطرح تساؤلات عدة، عن أسباب وحيثيات غياب الدور الأمريكي عن مسار التسوية في المرحلة السابقة، وبروزه مؤخراً بعد مساجلات وتداعيات عقّدت المشهد الليبي؟ فهل المقاربة الأمريكية تتجه نحو كبح التدخّلات الخارجية من أجل حلحلة مسار التسوية في ليبيا، بحيث تضمن عودة الأمن والاستقرار والحفاظ على وحدة ليبيا وسيادتها، أم أنها لا تعدو كونها تبادل أدوار بين الفاعلين الدوليين، لا تضع التسوية الليبية الحقيقية في حساباتها؟
 
   مما سبق، يتضح أن دخول الولايات المتحدة بثقلها على خط الأزمة الليبية كان لها دور حاسم في الضغط على طرفي الصراع الليبي وتوجيهها نحو الاتفاق بأسرع ما يمكن، ويأتي هذا الدور في إطار حرص واشنطن على كبح الحضور والنفوذ الروسي المتزايد والداعم لحفتر، والحيلولة دون استحواذ روسيا على السوق النفطي الليبي، وهو ما بات يؤرق أمريكا ويثير مخاوفها، وهذا ما دفعها إلى التغاضي عن تدخل تركيا وتمتعها بهامش واسع في ليبيا، لوقف التمدد الروسي وحلفائه من المعسكر العربي، ومن هنا باتت أمريكا تنتظر الفرصة المواتية لدخولها على خط الأزمة الليبية بعد أن تكون رحى الصراع قد أنهكت الطرفين، وعدم قدرة أي طرف على حسم الصراع لصالحه. فأمريكا تدعم القوى الإقليمية للحفاظ على التوازنات، بغية استنزاف القوى الفاعلة وإعادة تشكيل خارطة النفوذ والتوازنات، وتحتفظ بالتدخل للحظة الأخيرة().
 
  من زاوية قراءة وطنية متأنية، فإن الحل لن يأتي من قوى دولية أو إقليمية منغمسة في الصراع العسكري الدائر تتجاذب أطراف الملف الليبي من زاوية أطماعها، وتشحن وتعبئ الساحة بما يكفي لإبقاء جذوة الصراع مشتعلة بين الفرقاء، ويستمر النزيف الوطني، وهو ما وصل بليبيا إلى هذا المآل الصعب. إذ لا يمكن التعويل عليها أن تطرح حلول واقعية، ومقبولة، فضلاً عن أن تمارس دور الوسيط والمقبول لطرفي الصراع الليبي. والحال ينطبق على فرنسا، وروسيا، والإمارات، ومصر، وتركيا وسواها من القوى المتصارعة في ليبيا().
 
 تبقى الولايات المتحدة اللاعب الوحيد القادر على أن يقود جهداً شاملاً من أجل التوصل إلى اتفاق مُجمَع عليه من قبل جميع الأطراف الفاعلة على الساحة الليبية، ويرجع ذلك في المقام الأول إلى أن الولايات المتحدة قادرة بشكل فريد على الضغط على الجهات الدولية والإقليمية الفاعلة في ليبيا لوقف دعمها للوكلاء على الأرض، ودفع مختلف أطراف النزاع إلى الدخول في عملية مفاوضات أساسها حسن النوايا().
 
 ثالثاً: قراءة في مخرجات الاتفاق السياسي وتحدياته: 
 
 الحكومة الليبية الجديدة.. آلية التشكيل:  
 
    بدأت مباحثات ملتقى الحوار السياسي الليبي، وانطلقت الجولة الأولى منه في تونس، بإشراف البعثة الأممية للدعم في 09 نوفمبر 2020م، بمشاركة 75 شخصية؛ بينهم 13 من أعضاء مجلس النواب، يقابلهم العدد نفسه من أعضاء المجلس الأعلى للدولة، بينما توزعت بقية الشخصيات على أطياف سياسية وقبلية مختلفة. وتم الاتفاق على خارطة طريق لمرحلة انتقالية، تضمنت توحيد السلطة التنفيذية المنقسمة من عام 2014م، والشروع في تطبيق حزمة من الإجراءات الأمنية، والعسكرية، والسياسية، والاقتصادية؛ تنتهي بإجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في 24 ديسمبر 2021م، بحيث تفضي إلى إرساء مؤسسات حكم دائمة().
 
   بعد ذلك عقدت اجتماع اللجنة الاستشارية لملتقى الحوار السياسي الليبي في جنيف، من 13 إلى 16 يناير 2021م، بغرض تحديد آلية اختيار سلطة تنفيذية موحدة، وكانت بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا، قد أقرّت آلية معقدة، نسبياً، للترشح والتصويت تفادياً للفشل في انتخاب قيادة للمرحلة الانتقالية، أو فوز فريق لا تتوفر فيه الشروط المطلوبة التي توافق عليها أعضاء الملتقى المجتمعين في جولة تونس والمتمثلة في اختيار رئيس للمجلس الرئاسي من الشرق ونائبين له من الغرب والجنوب، ورئيس وزراء من الغرب().
 
   لم يحقق أي من المترشحين لرئاسة الحكومة والمجلس الرئاسي في جمع الأصوات الكافية، في الجولة الأولى التي جرت في 03 فبراير 2021م، برغم أن كلاً من عقيلة صالح، ورئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري، وعبدالمجيد سيف النصر، تصدروا المشهد على مستوى الأقاليم الثلاثة. إلا أن فشل التصويت على الأفراد في حسم المنافسة، أفضى بالتوجه نحو مرحلة التصويت على القوائم، بعد عدم حصد أي منهم النسبة المطلوبة من التصويت وفق آلية المُجمعّات الانتخابية للأقاليم الثلاثة، (طرابلس، وبرقة، وفزان)؛ حيث اشترطت الآلية التي أقرّتها البعثة الأممية أن تضم كل قائمة أربعة مرشحين، وفق التركيبة المتفق عليها سابقاً().
 
   لم تحظ أي من القوائم الأربع المترشحة في الحصول على ثلثي الأصوات وهي النسبة المطلوبة للتصويت في المرحلة الأولى؛ حيث تصدرت القائمة التي يرأسها عقيلة صالح على المرتبة الأولى تليها قائمة محمد يونس المنفي، وهما القائمتان اللتان خاضتا الجولة الثانية والأخيرة من الاقتراع().
 
   جرت الجولة الأخيرة من الانتخابات في 05 فبراير2021م، وتنافست خلالها بحسب البعثة الأممية للدعم في ليبيا، قائمتان، الأولى تعدّ من الأسماء المعروفة، وتضم كلاً من رئيس مجلس النواب عقيلة صالح، ووزير الداخلية في حكومة الوفاق الوطني فتحي باشاغا، وآمر المنطقة العسكرية الغربية أسامة جويلي، والسياسي عن الجنوب وسفير ليبيا في المغرب عبدالمجيد سيف النصر، بينما تضم القائمة الثانية، كلاً من محمد يونس المنفي، عضو المؤتمر الوطني العام عن مدينة طبرق، وهو من مناصري ثورة فبراير، ولم يكن من الداعمين لعملية “الكرامة” التي أطلقها خليفة حفتر، وقد انضوى تحت سلطة حكومة الوفاق باعتباره سفيراً في دولة اليونان. أما نائبيه، موسى الكوني فهو من الجنوب، ونائب رئيس المجلس الرئاسي سابقاً، وعبدالله اللافي عضو مجلس النواب من الغرب، وهم من الشخصيات المعتدلة، ولهما مواقف معارضة للاقتتال الداخلي بين الأطراف الليبية. أما رئيس الوزراء عبدالحميد الدبيبة، فهو رجل أعمال ينحدر من مدينة مصراتة، تولّى عدة مهام في مؤسسات اقتصادية في فترة حكم القذافي، ولم يُعرف عنه انخراطه في الشأن السياسي، أو له مواقف سياسية تذكر من الأحداث الجارية في البلاد().
 
  وبعد فرز الأصوات أعلنت مندوبة الأمم المتحدة إلى ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، عن فوز القائمة الثانية، بأغلبية أصوات أعضاء الملتقى، بــ 39 صوتاً من أصل 74، ليكون محمد يونس المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي، وعبدالله حسين اللّافي، وموسى الكوني نائبين له، وعبدالحميد محمد الدبيبة رئيساً للوزراء. وقد مثّل فشل القائمة التي يرأسها عقيلة صالح وفوز القائمة التي يرأسها محمد المنفي مفاجأة للكثيرين().
 
  جاءت هذه النتائج بمنزلة خلط جديد للخريطة السياسية الليبية، فقد اختفت أسماء كان يعتقد بأنها كبيرة ومؤثرة انتخابياً، مثل القائمة التي ضمت صالح، وباشاغا، وجويلي، وسيف النصر، مقابل اختفاء هذه الأسماء، ظهرت أسماء جديدة، لعلّ أبرزها؛ المنفي، واللّافي، والدبيبة.
 
عقب الإعلان عن الحكومة الجديدة في ليبيا، لاقت ترحيباً واسعاً، إقليمياً ودولياً؛ حيث صدر بيان مشترك للملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا، وإيطاليا رحبت بالاتفاق الذي تم التوصل إليه في ملتقى الحوار السياسي الليبي. من جانبها رحبت الأمم المتحدة بالاتفاق، وطالبت باحترام نتائج التصويت وتسليم آمن وسلس للسلطة، وخروج المقاتلين الأجانب والمرتزقة من ليبيا وفقاً للجدول الزمني المتفق عليه مسبقاً في اللجنة العسكرية المشتركة في أكتوبر 2020م().
  
  كما دعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى ضمان تسليم هادئ لكافة الاختصاصات والواجبات إلى السلطة التنفيذية الجديدة، وقد تعهدت بمحاسبة من يعرقلون عملها، أو تقويض العملية السياسية في ليبيا. من جانبه، اتصل الرئيس التركي “رجب طيب أردوغان” بكل من “المنفي، والدبيبة”، وتعهد لهما بمواصلة بلاده تقديم الدعم من أجل الحفاظ على وحدة ليبيا والمساهمة في إحلال السلام والأمن والاستقرار لشعبها. كذلك باركت كل من مصر، والسعودية، والإمارات، والمغرب وصول الأطراف الليبية إلى توافق وطني من أجل تسيير المرحلة الانتقالية(). 
 
 لا شك أن الدعم الذي حظيت به الحكومة الليبية الجديدة هو بمثابة رسالة واضحة بأن المجتمع الدولي سوف يقف إلى جانبها لاستكمال بنود الاتفاق السياسي، وسيمنحها الشرعية الكاملة في كل مساعيها لتوحيد مؤسسات الدولة، وإعادة الأمن والاستقرار وإخراج المقاتلين والمرتزقة الأجانب من البلاد. 
 
   داخلياً، فقد رحبت كل من حكومة الوفاق الوطني في طرابلس، والحكومة المؤقتة في الشرق بانتخاب الحكومة الجديدة، وقد أعرب فائز السراج عن أمله في إجراء الانتخابات العامة في موعدها بعد توفير الظروف الملائمة لوضع الأساس لبناء دولة المؤسسات الديمقراطية. ومن جانبه، فقد هنأ عبدالله الثني رئيس وأعضاء حكومة الوحدة على نيل ثقة مجلس النواب، مبدياً استعداده لتسليم المهام كاملة دون عراقيل(). وفي السياق ذاته، وصف رئيس المجلس الأعلى للدولة “خالد المشري” أن انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة يعدُّ خطوة مهمة للخروج من الأزمة وإنهاء الانقسام وتوحيد المؤسسات. وعلى الرغم من خسارته المنافسة والفوز بمنصب رئيس الحكومة فقد اعتبر وزير الداخلية الأسبق في حكومة الوفاق الوطني “فتحي باشاغا” أن التصويت على الحكومة الجديدة تجسدت فيه الديمقراطية في أوضح صورها. أما رئيس مجلس النواب عقيلة صالح فقد تعهد بدعم الحكومة في حالة نيلها الثقة من البرلمان وتنفيذ خارطة الطريق، وخاصة التحضير للانتخابات المقبلة().
 
  بعد أن نالت حكومته ثقة مجلس النواب، دعا “الدبيبة” في كلمة مباشرة “كل الليبيين لتعويض فترة الانقسام، وتناسي أحقاد الماضي وتجاوز الحدود الوهمية التي خلقناها، والعمل من أجل ليبيا، وذكر بأن حكومته لن ترفع إلا شعار ليبيا موحدة فقط”، مؤكداً التزامه بدعم المجلس الرئاسي في استحقاق المصالحة الوطنية، وفي إنجاز استحقاق الانتخابات، من خلال دعم المفوضية العليا للانتخابات. وقال أن هناك استحقاقات تنتظرنا، أبرزها اعتماد قانون الانتخابات، وقانون الحكم المحلي، والموازنة العامة للبلاد. وأضاف أن حكومته “ستلتزم بإجراء الاستحقاقات في مواعيدها”، في إشارة إلى تهيئة الظروف لإجراء الانتخابات في 24 ديسمبر 2021م().
 
  ويأمل الليبيون أن تضع الحكومة الجديدة حداً للمرحلة الانتقالية المستمرة منذ عشر سنوات، وبرغم أن المدة الزمنية المتبقية تعدّ فترة غير كافية نسبياً للشروع في تحقيق رؤية الحكومة وأهدافها، إذ ستواجه عراقيل سياسية، وأمنية، ومجتمعية، واقتصادية معقدة، ربما تكون عصية على الحل في الوقت الراهن، لكنها ليست مسألة مستحيلة المعالجة.
 
2- عقبات تواجه الحكومة الليبية الجديدة:
 
   من المسلّم به أن ليبيا قد حققت تقدماً ملحوظاً في مسار حل الأزمة وإنهاء الصراع بشكل تام. وبرغم المواقف المحلية والدولية والإقليمية المُرحبة باتفاق التسوية، فالمرجح أن تواجه التشكيلة الجديدة، غير المدعومة مباشرة من قوى وازنة على الأرض، صعوبات كبيرة في المراحل الآتية على مستويات عدة. 
 
   سياسياً، فالتحدي الأكبر هو تحدّ يشمل جميع المستويات السياسية من خلال قدرة الحكومة الجديدة على تنظيم الانتخابات على أسس ديمقراطية في 24 ديسمبر 2021م. وهو ما يتطلب إنشاء مفوضية مستقلة للانتخابات، وكتابة دستور موحد للبلاد الذي يرسم ملامح وشكل النظام السياسي المستقبلي في ليبيا. فالحيّز الزمني الضيق الذي لا يزيد عن تسعة أشهر، حتى مع مرور مرحلة التشكيل ومنحها الثقة بسلاسة من البرلمان، من شأنه إرباك خريطة الطريق، ويحول دون الوصول إلى الانتخابات العامة في موعدها().
 
   إن تحقيق حكومة الدبيبة نتائج ملموسة على أرض الواقع سيظلّ على المحك، وسيبقى التحدي كبيراً لتطبيق الاتفاق السياسي، خصوصاً وأن ليبيا تشهد وضعاً أمنياً غير مستقر، ويتسم بالهشاشة، مما أفرز جملة من التهديدات والأخطار الأمنية نتاجاً للمرحلة الانتقالية، بعضها مرتبط بالدولة ككيان والحالة الهشة التي تمر بها البلاد، في ظل غياب المؤسسات الأمنية والعسكرية القادرة على القيام بمهماتها، وقد تزايدت داخلها حدّة الصراعات السياسية والحزبية والأيديولوجية، وانتشرت فيها العصابات الإجرامية، والميليشيات المسلحة بشكل رهيب، وازداد نفوذها وبسطت سيطرتها على مناطق متفرقة من البلاد مستغلة تآكل سيطرة الدولة، ويزداد كذلك نفوذ الجماعات المتطرفة والإرهابية في مناطق متعددة، ويستمر تنظيم “داعش” في تنفيذ هجمات متزايدة في أماكن متفرقة من البلاد. وهو ما يمثل أكبر العقبات أمام الحكومة الجديدة ومسار الحل السياسي.
 
   برغم الدعم الكبير المتوقع من طرف الأمم المتحدة وبعثتها للدعم في ليبيا، إلّا أنها قد تسهم في عرقلة عمل الحكومة الليبية الجديدة، خصوصاً بعدما فرضت البعثة الأممية قاعدة تقسيم المناصب السياسية على الأقاليم الليبية الثلاثة (طرابلس، برقة، فزان)، وهو ما يصعّب من مهمة الحكومة في سياق تُعدّ فيه المحاصصة والترضيات السياسية والقبلية والجهوية عامل الفرز الأهم. برغم إعلان رئيس الحكومة “الدبيبة” أن خياره سيكون التعويل على التكنوقراط(). 
 
 
   أما في الشأن الاقتصادي، فتبرز جملة من التحديات أمام الحكومة الجديدة، نظراً لتدهور الأوضاع نتيجة للحرب والصراع وتوقف صادرات النفط الذي يعدّ مصدر الدخل الرئيس للبلاد، والانهيار الحاصل في العملة المحلية التي تراجعت بشكل غير مسبوق. وهو ما انعكس سلباً على الأوضاع المعيشية التي يكابدها الليبيين من غياب الخدمات الأساسية مثل انقطاع الكهرباء، ونقص السيولة النقدية، فضلاً عن انتشار الفقر والبطالة، وهو ما يتطلب المساهمة في خلق وظائف جديدة للحد من البطالة المتزايدة بين الشباب، ولا يمكن تحقيق ذلك من دون التقليل من الاعتماد على النفط كمصدر رئيس للدخل، وتنويع هيكل الإنتاج والتصدير، وتطوير البنية التحتية، وتحسين بيئة الأعمال لجذب الاستثمارات الخارجية عن طريق سيادة القانون. 
 
   ومن هنا، فإن زيادة جهد مكافحة الفساد تشكّل اختباراً حقيقياً لحكومة الدبيبة. والخطوات التي يجب اتخاذها للكشف عن العائدات بشفافية وإنفاقها على الوجه المطلوب، لا شك سيعطيان فكرة عن مصير هذه الحكومة.
 
   ثمة قضية أخرى يتعيّن على الحكومة الجديدة معالجتها؛ حيث تتعمق وتتفاقم المشكلات التي يعانيها قطاع الصحة بسبب النقص الحاد في الأجهزة والمعدات، وغياب الكوادر الطبية المتخصصة من ذوي الخبرة والكفاءة، ويأتي وباء فيروس كورونا المستجد في مقدمة أهم القضايا التي يتوجب على الحكومة معالجتها على وجه السرعة.
 
   اجتماعياً، فهناك تحديات مرتبطة بما ترتب على حكم القذافي، والظروف والأوضاع التي نجمت عن الإطاحة به، وما ولّدته من استقطاب حاد وشرخ اجتماعي واضح. إذ لا يمكن الحديث عن مصالحة وطنية، وهناك تركة كبيرة من الأحقاد، والمظالم التي تنخر في المجتمع الليبي وفي وحدة صفه وثوابته الوطنية، فمن دون توافق يردم فجوة المظالم ويحقق الإنصاف بين المكونات المجتمعية الليبية لن يكون للتسوية فعالية في تحقيق بنية مجتمعية، تساعد في نجاح المؤسسات وإعمال القانون، وتحقيق الأمن والاستقرار. لا شك إن أي مصالحة وطنية حقيقية شاملة من شأنها أن تُحدث إنفراجة تسوية بين الفرقاء، وصولاً إلى رؤية شاملة، تتجاوز هذه الأزمة التي إن طالت ستؤدي إلى مخاطر وتداعيات سلبية على ليبيا والمنطقة برمتها().
 
   على صعيد التحدي الخارجي، تواجه الحكومة الليبية الجديدة تحديات عدة، في مقدمتها انعتاق الفرقاء الليبيين من ضغوط ومآسير التدخلات السلبية، وتجاوز واقع الخوف والخطوط التي ترسمها القوى الخارجية، بل الأهم من ذلك التحرر من عباءة إملاءاتها تماماً، والحرص مرة أخرى دون الوقوع تحت تأثير القوى الخارجية العبثية. فمعظم دواعي التدخل تغذي حالة الخلاف وبث الكراهية أو الصورة الذهنية لكلا الطرفين عن الآخر. وبالتالي يصعب التغلب عليها من دون توافر إرادة وطنية صادقة تتجاوز عقبة المصالح الضيقة الفئوية والمناطقية، ومنطق عدم الثقة، وإيمان كل طرف من الأطراف بأنه لا يمكن تجاوز الطرف الآخر وإلغائه، وإيجاد صيغ مقبولة تحمي مصالح كل الفرقاء وفق منطق الشراكة الوطنية. ومن دون ذلك لا يمكن للحكومة الجديدة أن تتقدم باتجاه تحقيق الأمن والاستقرار في ليبيا. 
 
   وتأتي مسألة إنهاء الوجود العسكري الأجنبي وخروج المقاتلين والمرتزقة البالغ عددهم 20 ألف عنصر مسلح، قضية مهمة أخرى للحكومة الليبية الجديدة، ومن أهم التحديات التي سوف تواجهها. وقد انتهت المهلة المحددة دون أن تتمكن اللجنة العسكرية الليبية المشتركة (5+5)، الناتجة عن اتفاق 25 أكتوبر 2020م، من إجبار المرتزقة والمقاتلين الأجانب على مغادرة الأراضي الليبية، وهو ما ينبئ بإمكانية عودة الصراع المسلح().
 
 
    وفي تصريح لوكالة “سبوتنيك” الروسية، قال “ياسين أقطاي” مستشار الرئيس التركي أن “الاتفاقيات التي عقدتها حكومة بلاده مع حكومة الوفاق الوطني برئاسة السراج، لن يتأثر باختيار الحكومة المؤقتة الجديدة، موضحاً أن تركيا تتواجد في ليبيا بدعوة صريحة من الشعب الليبي وحكومة الوفاق، وأن الحكومة الجديدة لا تعارض هذه الاتفاقيات ولا الوجود التركي في البلاد، بل تدعم الدور التركي هناك”(). 
 
   وفي ضوء الكوابح التي تواجه التسوية السياسية خارجياً، يجب على الفرقاء الليبيين الحيطة، فأي قوة دولية أو إقليمية منخرطة في الصراع العسكري الدائر، لا يرتجي منها أن تجلب حلول واقعية، ومقبولة، فضلاً عن أن تمارس دور الوسيط والمقبول لطرفي الصراع الليبي. برغم أن فرنسا تّدعي سعيها إلى المصالحة بين طرفي النزاع الليبي، وتبنيها للاتفاقيات التي عالجت هذا الملف، وآخرها اتفاق “الصخيرات” المغربية في 17 ديسمبر2015م، كما حاولت جمع الفرقاء الليبيين في مؤتمر باريس في 2017م، ودعمت نتائج مؤتمر “برلين” في ألمانيا في 19 يناير 2020م. لكنها في الوقت نفسه، كانت تدعم حفتر، وقد تداعى الموقف الفرنسي الواضح لا سيما منذ مقتل ثلاثة جنود فرنسيين إثر تحطم مروحيتهم في مدينة بنغازي في عام 2015م(). وهو ما خلّف إرباكاً للموقف الفرنسي، مما دفع بها للإقرار بتدخلها إلى جانب خليفة حفتر، لوجستياً وعسكرياً واستخباراتياً، ناهيك عن تجهيزها لمحطة عسكرية للتحكم بالطائرات المسيّرة إلى تنفيذ أهداف عسكرية ضد حكومة الوفاق الليبية المعترف بها دولياً. وذكرت دبلوماسية فرنسية، “نعم، نحن ندعم “حفتر”، ولكن ليس إلى درجة التمكن من الوصول إلى سدّة الحكم”().
 
  يبقى الأمر مرهوناً بالإرادة السياسية للفرقاء الليبيين، ومدى جديتهم في تحقيق المصالحة الوطنية الشاملة وإبداء المرونة الكافية في التعاطي مع الملفات الشائكة وتجاوز العقبات التي قد  تعرقل التوصل إلى تسوية سياسية شاملة، والأمر كذلك متعلّق بجدية المجتمع الدولي خصوصاً القوى الخارجية الفاعلة في المشهد الليبي لتعزيز الدور الأممي، الذي تقوده الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وتصويبه نحو كبح نفوذ وتدخلات القوى الإقليمية والدولية، كتركيا، ومصر والإمارات، وقطر، وروسيا، وفرنسا، وإيطاليا، بحيث يذهب الليبيون إلى تسوية شاملة تُنهي حالة الفوضى وعدم الاستقرار الذي تعاني منه البلاد منذ عام 2011م.
 
رابعاً: رؤية الحكومة الجديدة وآلياتها لإنجاز الانتخابات في 24 ديسمبر 2021م:     
 
     دعا رئيس الحكومة الليبية الجديدة “عبدالحميد الدبيبة” في كلمة ألقاها عبر الفيديو أمام ملتقى الحوار السياسي الليبي المنعقد في جنيف في فبراير 2021م، كل القوى السياسية والاجتماعية الليبية للالتفاف حول السلطة التنفيذية الجديدة، من أجل إعادة بناء البلاد، وأعرب عن استعداده للعمل مع الجميع باختلاف أفكارهم، ومكوناتهم، وأطيافهم، ومناطقهم.
 
    وبرغم أن تعيين “الدبيبة” رئيساً للوزراء قد جلب جواً إيجابياً إلى الطيف السياسي الليبي. لكن ثمة مجموعة من الاستحقاقات الداخلية تبقى ماثلة أمام الحكومة الليبية الجديدة، أما بشأن عقد الانتخابات العامة في 24 ديسمبر من العام الحالي، فقد أكد أنه سيعمل على الالتزام بإجرائها في موعدها المقرر لها وعلى أسس ديمقراطية، وسوف توفر لها وزارة الداخلية التأمين والحماية، مع اللجوء وطلب المساعدة من المنظمات الدولية ومنها الأمم المتحدة لدعم الانتخابات لوجستياً، وأيضاً في مراقبة الانتخابات().
 
   وذكر “الدبيبة” بأن ليبيا تعاني من شرخ اجتماعي كبير، وبالتالي فإن المهمة الخاصة بهذه الحكومة هي صيانة الوحدة الوطنية الليبية من أجل لم شمل حقيقي للصف الوطني في الداخل والخارج، بحيث تساعد على نجاح آلياتها، في التغلب على التحديات التي تواجهها، وعلى المقاومة التي يمكن أن تتعرض لها. كما قال “بأن ليبيا تعاني من سوء خدمات وإدارة محلية فاشلة”، وفي هذا الإطار، فقد ركز برنامجه على تفعيل الإدارة اللامركزية. وهو ما يأتي منسجماً مع أحد الأهداف التي يبدو أن البرنامج وضعها لمعالجة الشكوى من التسلط المركزي الذي عانى منه المواطن لعقود. وذلك بإبعاد المؤسسات التنفيذية عن التأثير السياسي لتحقيق مكاسب سياسية أو ذاتية().
 
  وأضاف الدبيبة “سنتخذ من التعليم والتدريب طريقاً للاستقرار”. وقد تعهد بإنهاء النزاع بين الليبيين، وحصر السلاح في يد الدولة، وتطوير العلاقات مع دول الجوار. وحول وضع الشباب المنخرطين في المجال العسكري، فقد تضمنت حكومته برنامج مفصل ومدروس لاستيعابهم، وخلق فرص عمل لهم، ليس في الجيش والشرطة فقط، بل في المؤسسات المدنية أيضاً. 
 
   وبخصوص تضخم عدد الوظائف في القطاع العام، قال إن “دورة الاقتصاد هي من تحلّ المشكلة، من خلال فتح المشاريع الصغيرة والمتوسطة والكبيرة”، خصوصاً وأن 70% من ميزانية الدولة الليبية تذهب إلى المرتبات، حيث ارتفع بند المرتبات في الميزانية من 5 مليارات دولار في  العام 2010م، إلى 25 مليار دولار عام 2013م، وعليه لا بد من ضخ الأموال للتنمية، وتفريغ القطاع العام، وتشجيع القطاع الخاص والدفع به نحو الصناعات التي نحتاجها داخلياً، ولن يتأتى ذلك من دون وضع دراسة حقيقية لمن يضع السياسات النقدية والمالية().
 
   وبشأن مشكلة انقطاع الكهرباء فقد اعتبر “أن الأزمة استغلّت للحصول على مكاسب سياسية”. ووعد بالتركيز على حلّها خلال مدة لا تتجاوز 6 أشهر، من خلال الاستفادة من تجارب دول الجوار التي واجهت المشكلة نفسها وبشكل أكبر أيضاً.
 
   كما وعد بحلحلة أزمة المهجرّين والنازحين في الداخل والخارج، وستكون ضمن برنامجه الخاص، وعلى قائمة أولوياته، خصوصاً من لم تثبت تورطهم في جرائم قتل أو نهب للمال العام.
 
   يبدو أن البرنامج الذي أعلن عنه الدبيبة يقفز على الأزمات المعقدة والشائكة التي تربك المشهد السياسي والأمني والاجتماعي الليبي. كما يتجاوز في جانب كبير منه السقف الزمني الممنوح لحكومته والذي لا يتجاوز الــ تسعة أشهر تقريباً، ولا يبقى في ظل الظروف الحالية أمامها سوى التركيز على هدف واحد وهو الأكثر واقعية، إنه تحقيق سير العملية السياسية والمؤسسات الحكومية حتى الانتخابات والحفاظ على الاستقرار وصولاً إليها.   
 
   وفي ظل الظروف الاجتماعية، والسياسية، والاقتصادية التي تعيش على وقعها الدولة الليبية منذ عشر سنوات تقريباً، يبقى هناك أمل وتفاؤل من أجل مستقبل ليبيا، بالنظر إلى تركيبة الحكومة الجديدة، فهي تتميز بشخصياتها “غير الجدلية”، على اعتبار أن أعضائها لم يكونوا منغمسين في الصراع الدائر في البلاد، منذ عام 2014م، ولم يكن لها مواقف منحازة لأي من طرفي الصراع خلال الحرب الأخيرة التي شنتها قوات الجيش الوطني الليبي على العاصمة طرابلس().
 
   التحدي الأهم الذي سيواجه الحكومة لإعادة ترتيب البيت الليبي، يتعلق بإعادة توحيد المؤسسة العسكرية وموقع المشير خليفة حفتر في الترتيبات الجديدة، خصوصاً وأن ملف قيادة الجيش يعدّ الأهم وراء عرقلة مسار التسوية والمصالحة. ويمكن للحكومة الجديدة اتخاذ خطوات نحو حل المشكلات إذا أظهرت إرادة متوازنة وقوية، وإلا فإنها ستفقد شرعيتها لدى المجتمع الليبي في وقت قصير.
 
خامساً: فرص نجاح الحكومة الجديدة:
 
  منح الاتفاق السياسي الجديد في جنيف بارقة أمل في خروج ليبيا من أزمتها الراهنة، وتتعزز فرص النجاح بعد أن رأى المجتمع الدولي ضرورة إنهاء الصراع بشكل تام والبدء بمرحلة جديدة، وسعى إلى منح الاتفاق الجديد ضمانات تكفل عدم فشله، بدءاً بتعيين مباشر لمندوبي ملتقى الحوار السياسي، واختيار الهيئة التنفيذية الجديدة من بين أعضائه، مروراً بالتعهد بإرسال فريق أممي للإشراف على تنفيذ الاتفاق، وصولاً إلى استعداد واشنطن وعواصم أوروبية عدة لمحاسبة كل من يقّوض العملية السياسية في ليبيا. 
 
   يبدو جلياً أن الفرقاء الليبيين قرروا تغليب مصلحة الوطن العليا على المصالح الحزبية والفئوية، والدفع نحو التسوية السياسية، نزولاً عند قناعة القوى الليبية بعدم جدوى الرصاص في إقصاء الآخر من المعادلة السياسية، ناهيك عن التكلفة الباهظة للحرب التي لم يعد بمقدور الجميع تحمل تكاليفها الباهظة، خاصة بعد الآثار المدمرة على ليبيا، استنزفت طاقاتها البشرية ومواردها المالية.
 
   يبقى نجاح الحكومة الليبية الجديدة في مواجهة التحديات الماثلة أمامها في تحقيق الأمن والاستقرار، رهيناً بمدى التنازلات التي ينبغي أن يقدّمها فرقاء العمل السياسي الليبي ومدى المرونة التي ينبغي أن تبديها الجماعات المسلحة من أجل إنجاحها، حتى لا تضيع الفرصة التي يبدو أنها الأخيرة، قبل أن تنزلق البلاد برمتها في مستنقع الفوضى. إن لم يصبح الحل حلاً ليبياً صرفاً وشاملاً، تصبح الظروف مهيأة لتصبح ليبيا مسرحاً لتصفية حسابات قوى خارجية، من دون إغفال تقاطعات القوى الإقليمية والدولية ومواطن افتراقها مع الحالة الليبية الراهنة، وتأثيراتها الإيجابية والسلبية في فرص خروج ليبيا من حالة التأزم القائمة.
 
   وفي كل الأحوال فإن الاتفاق السياسي أخرج ليبيا من عنق الزجاجة وفتح أمامها آفاقاً جديدة تسمح إن تمسكت به الأطراف الليبية بما أنجزته، وقاومت الضغوط والإملاءات الخارجية، قد تضع ليبيا من جديد على الطريق الصحيح. الأمر الذي يتطلب تضافر الجهود بين المكونات الليبية ودعم الأطراف الإقليمية والدولية من أجل إنجازه وتذليل العقبات التي قد تسهم في تعطيله.
 
  فحكومة الدبيبة أمامها فرصة كبيرة لتنجح في معالجة الملفات الشائكة وتفلح في الوصول بالبلاد إلى الانتخابات المقررة في أواخر ديسمبر من هذا العام، ذلك أن أعضائها لم يتورطوا في الصراعات التي شهدتها البلاد، ولم يكونوا جزءاً من الصراع القائم منذ العام 2014م، فضلاً عن ذلك، هناك اتجاهاً دولياً تقوده الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي، يرى في التوافق السياسي بين الفرقاء الليبيين وسيلة لكبح التدخلات الخارجية المعرقلة لمسار التسوية().
 
   وفي خطوة مهمة من شأنها أن تنعكس إيجاباً على الوضع في ليبيا، شهدت العلاقات بين تركيا ومصر تطورات تؤشر لرغبة مشتركة في التهدئة، وقال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان “أن بلاده لا تمانع الحوار مع مصر”. فالطرفان يتمتعان بنفوذ كبير على الساحة الليبية، خصوصاً في ظل ما يتمّتع به حفتر من دعم قوي يأتي من مصر، وفي المقابل، تدعم تركيا حكومة السراج. إن من شأن الدعم التركي والمصري لوقف إطلاق النار في ليبيا وعدم الانحياز لطرفي النزاع الليبي قد يمثل عاملاً مهدئاً لسياسة المحاور الإقليمية المشتعلة في ليبيا(). 
 
  وفي ضوء ما تقدم، وأخذاً في الاعتبار السياقات المحلية والإقليمية والدولية، تجد الحكومة الليبية الجديدة نفسها أمام ثلاثة سيناريوهات محتملة، هي:
أن تمضي جميع الأطراف الليبية في دعم الحكومة الجديدة وتوحيد الجهود نحو وصول ليبيا إلى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في 24 ديسمبر من هذا العام من دون أي صراع محتمل، في ظل إصرار المجتمع الدولي على المُضي قدماً في تنفيذ خارطة الطريق المتفق عليها في ملتقى الحوار السياسي الليبي، وهو السيناريو المفضل.
 
تمديد المرحلة الانتقالية، فالمرجح أن الوضع المتأزم في ليبيا قد يحول دون تحقيق أي إنجاز يذكر للحكومة الانتقالية على مختلف الأصعدة السياسية، والاقتصادية، والأمنية، وهو ما يدفع المجتمع الدولي إلى تمديد الفترة الانتقالية.
 
أن يتعثر الاتفاق السياسي في المراحل القادمة، ويعود الحال إلى نقطة الصفر، نظراً لعدم امتلاك الحكومة الانتقالية للقوة الوازنة والفاعلة على الأرض، ناهيك عن ضيق الحيّز الزمني وحدة التدخلات الخارجية، وهو ما يرجح عودة الصراع مجدداً، وينذر بانهيار الحكومة الانتقالية. وما يدعم هذا السيناريو أنه لم تتمكن اللجنة العسكرية المشتركة من إخراج المقاتلين والمرتزقة الأجانب من ليبيا، ولم تتخذ الأمم المتحدة أي خطوات ملموسة، حيال ذلك وهو ما يرجح احتمالية عودة الصراع المسلح، وعدم استقرار الأوضاع في ليبيا. وجعل بعض القوى الليبية في حالة شك كبيرة في فرص نجاح الاتفاق السياسي، وحدوث اختراق حقيقي يُخرج البلاد من مسلسل الأزمات السياسية والأمنية المتلاحقة، لينقلها إلى حالة جديدة تضعها في درب الاستقرار والنماء.  
   في ظل معطيات الوضع الراهن، والتعقيدات القائمة محلياً وإقليمياً ودولياً، تبدو فرص السيناريوهات الثلاثة قائمة ومفتوحة، ويصعب ترجيح فرص نجاح أي منها، مع وجود أفضلية نسبية لصالح سيناريو الحل السياسي، لكن الأمر منوط بإرادة القوى الليبية المتصارعة بالدرجة الأولى، وبإرادة الأطراف الإقليمية والدولية الفاعلة في الصراع الليبي.
   تتمثل أبرز الخطوات الإجرائية التي قد تساعد في فك تفاصيل الخلافات البينية ويؤسس إلى حل برؤية وطنية واسعة تجنب البلاد أي هزات مستقبلية ويساعد في إيجاد حلول مهمة وبعيدة المدى نضع بعض المقترحات التي قد تسهم في الدفع نحو التسوية الشاملة، ومن دون ذلك، لا يمكن للعملية السياسية أن تتقدم إلى الأمام، منها ما يلي:
 
التزام الأطراف الليبية بالوقف الفوري لإطلاق النار وكافة الأعمال القتالية التي من شأنها استنزاف طاقات ليبيا البشرية وتهدر مواردها الاقتصادية والمالية.
 
حرص القوى الليبية على الحفاظ على وحدة البلاد والحيلولة دون تقسيمها على أسس سياسية، أو جغرافية، أو مناطقية.
 
توقف دول الجوار والأطراف الإقليمية والدولية عن دعم طرفي الصراع الليبي بالسلاح والعتاد والدفع باتجاه إنجاح جهود المصالحة.
 
تذليل العقبات التي قد تعترض الاتفاق السياسي الجديد الذي تم التوصل إليه في ليبيا والتزام الأطراف الدولية بمخرجاته، ومحاسبة كل من يهددون الاستقرار أو يقوّضون عملية التسوية. ومن دون ذلك لا يمكن للعملية السياسية أن تتقدم باتجاه التسوية. 
 
إن تحقيق المصالحة الحقيقية يستوجب وضع خارطة طريق ليبية واضحة مبنية على أسس علمية وواقعية وبرؤية سياسية، تحدد أساسيات المسألة الوطنية وخطوطها العريضة، تُلزم جميع الأطراف وتكون مُحصنة من الفئوية والاستئثار ومن إغراءات الحكم، مع عدم تسييّس الجيش وإبعاده عن دائرة التأثير السياسي، خصوصاً وأن ملف قيادة الجيش يعدّ الملف الأهم والأبرز وراء عرقلة جهود التسوية.  
 
إن نجاح التسوية يحتاج لتنازل ليبي ليبي على أرضية توافق سياسي ينتصر للبلد بدلاً من الانتصار لطرف ضد الآخر، ومن ثم التركيز على بناء منظومة أمنية وعسكرية على أسس وطنية، تغيب فيها وتنصهر الأبعاد المناطقية والجهوية، تقوم بدمج المكون العسكري على جانبي الصراع في إطار جيش وطني موحد يتم التوافق على قائد عسكري لا ينتمي لطرفي الصراع، ولا يحق له سلطة مدنية وهو لا زال قائماً على هذا المنصب، كما لا يحق له الشروع بأي التفاف أو انقلاب عسكري على الحياة السياسية المدنية تحت أي ظرف، وأن تكون مهمته الدفاع عن ليبيا ومصالحها وسيادتها تحت حكومة وحدة، لأن عسكرة الدولة هي داء الصراع القائم.
 
خاتمة:
 
  تواجه ليبيا اليوم تحديات كبيرة في مسار فك الارتباط مع القوى الخارجية المؤثرة في الساحة الداخلية الليبية، فضلاً عن حالات الاستقطاب الحادّة التي تعيش على وقعها البلاد منذ فبراير عام 2011م. إلا أن دفع ليبيا من جديد إلى حافة الصراعات وحالة عدم الاستقرار آخر ما ترغب به دول الإقليم، فالأزمة التي يمكن أن تشهدها البلاد لا تهم الليبيين فحسب، بل المنطقة برمتها.
 
  لا شك بأن الاتفاق السياسي الليبي الجديد وانتخاب الحكومة الليبية الجديدة، يعدّ اختراقاً أممياً مهماً في مسار إنهاء الصراع الليبي، وتتويجاً للجهود الدبلوماسية المكثفة والمباحثات السياسية برعاية البعثة الأممية، وهي بمثابة مَخْرج مهم، وهامش واسع لتحرر الفرقاء الليبيين من ضغط التجاذب ومخاطره على مستقبل التسوية ونجاحها. لكن ذلك يحتاج إلى ضمانات وازنة من قوى دولية فاعلة مثل الولايات المتحدة، والاتحاد الأوروبي حتى يمكن كبح التدخلات الخارجية التي تغذي الفرقة بين الليبيين. 
 
  تبقى فرص نجاح الحكومة الجديدة في أداء مهامها المنوطة بها، مرهوناً باستمرار دعم الأمم المتحدة وبعثتها للدعم في ليبيا، وحيال ذلك، ينبغي أن تضطلع المنظمة الأممية بدور أكثر حضوراً وأكثر فاعلية في تعاطيها مع الأزمة الليبية، وذلك من خلال المساعي في نزع سلاح الميليشيات المسلحة خلال إطار زمني محدد، وفرض عقوبات صارمة على الأطراف المحلية المُعرقلة للحوار، وكذا الأطراف الخارجية التي تنتهك قرار حظر توريد الأسلحة إلى ليبيا. أما في حال تهاونت الأمم المتحدة والقوى الدولية الفاعلة في احتواء الأزمة الليبية، ولم تتوافق القوى الإقليمية الفاعلة في المشهد الليبي على خط الانتقال للوصول إلى الانتخابات المقرر إجراؤها في نهاية ديسمبر 2021م فإن التوتر سيكون سيد الموقف، وسيكون لها تأثير قوي على مآل الأوضاع السياسية مستقبلاً في ليبيا، ليتكرر سيناريو ربما أشبه بسيناريو الصخيرات والمجلس الرئاسي المنبثق عنه، ما يفتح الباب أمام تمديد جديد للمرحلة الانتقالية، ويرجح عودة الصراع مجدداً، وهو ما ينذر بانهيار مهام الحكومة الانتقالية. 
  
  وفي ضوء معطيات الصراع السياسي والعسكري التي يتسم بها المشهد الليبي، والتجاذبات الإقليمية والدولية الناتجة عنها، فضلاً عن بروز وضع متشابك ومتداخل التحالفات والمصالح، وتدار فيه حسابات لعبة النفوذ والسيطرة على أسس براغماتية ضيّقة، لا ترى إلى المصالح الليبية الاستراتيجية في المصالحة الوطنية؛ فإن هذا الملف مفتوح على سيناريوهات عديدة، وفقاً لما تسفر عنه تفاعلات الصراع، ومدى حرص فرقاء العمل السياسي والعسكري واستعدادهم لتقديم تنازلات حقيقية، بعيداً عن تأثير المصالح الضيقة التي تستند إلى المطامح الجهّوية والمناطقية، من أجل إنجاحها بعمل وطني شامل يتجاوز سلبيات واستقطابات الحرب وتصفية الحسابات، وينأى بالبلد عن الصراعات السياسية والإيديولوجية، وثمنها الباهظ على السلام الاجتماعي، والتنمية، والاستقرار، والوحدة الوطنية.
 
   فإزاء هذا الواقع المعّقد والمتشابك إقليمياً ودولياً، لا بد لأي دولة تسعى لامتلاك إرادتها واستقلاليتها وتجنّب آثار التدّخلات الخارجية السلبية، من تحصين جبهتها الداخلّية بإحقاق مزيد من الشراكة المجتمعية والتوافق والتعايش بين رعاياها. وتقديم تسهيلات ممكنة وضرورية من شأنها رأب الصدع الداخلي الليبي احتكاماً لمنطق المصلحة الوطنية. إن استغلال الفرص المتاحة لإعادة ترتيب البيت الليبي، وتخطّي التحدّيات الماثلة، كفيل بأن يسهم في رسم آفاق الدولة الليبية ومستقبلها. وطالما بقيت التدخّلات الخارجية السلبية، فسيظل المجتمع الليبي يعاني من الانقسام والتفكك، وخاّصة أن بوادر التقسيم، بفعل التدخل الخارجي، تلوح في الأفق.
 
 
 
 
 
 
 
قائمة المراجع
أولاً: الكتب
-1 يوسف محمد جمعة الصواني، ليبيا الثورة وتحديات بناء الدولة، بيروت، مركز دراسات الوحدة العربية، ط1، 2013م.
2- مصطفى عمر التير، ربيع ليبيا: لا  شيء تغير سوى الوجوه والأسماء فقط، التقرير العربي السابع للتنمية الثقافية، العرب بين مآسي الحاضر وأحلام التغيير أربع سنوات من “الربيع العربي”، ط1، 2014م. 
ثانياً: الدوريات
– أحمد قاسم حسين، دور القوى الخارجية في العملية السياسية: حالة ليبيا ما الاتفاق السياسي “الصخيرات”، سياسات عربية، العدد36، كانون الثاني/يناير 2019م.
2- سلام الكواكبي، أوروبا وأزمات الشرق الأوسط: غياب بنيوي أم تعارض مصالح؟ ضوابط التحرك الأوروبي في أزمتي (ليبيا وشرق المتوسط)، مجلة شؤون عربية، 12 سبتمبر 2020م.
3- محمد عبدالحفيظ الشيخ، تطورات الوضع الليبي سياسياً وعسكرياً وانعكاساته إقليمياً على ضفتي المتوسط، مجلة شؤون عربية، العدد181، ربيع 2020م.
4- محمد عبدالحفيظ الشيخ، التدخل العسكري التركي في ليبيا وتداعياته إقليمياً ودولياً، مجلة شؤون عربية، العدد184، ديسمبر 2020م.
5- محمد عبدالحفيظ الشيخ، المصالحة الوطنية في ليبيا: التحديات وآفاق المستقبل، مجلة جيل الدراسات السياسية والعلاقات الدولية، العدد21، ديسمبر 2018م.
 
ثالثاً: الندوات والمؤتمرات:
1- عبدالحي علي قاسم، خيار التسوية السياسية الليبية في ضوء معطيات المساعي الدولية الراهنة، ورقة منشورة ضمن كتاب أعمال المؤتمر العلمي الدولي “أبعاد الصراع الإقليمي والدولي وتداعياته على أمن واستقرار ليبيا، الذي نظمه المركز الديمقراطي العربي ببرلين، بالتعاون مع جامعة الجفرة ـــ ليبيا، خلال يومي 15 و16 نوفمبر 2020م، عبر تقنية التحاضر زووم.
 
2- محمد عبدالحفيظ الشيخ، التنافس التركي المصري في ليبيا وتداعياته على فرص التسوية السياسية، ورقة منشورة ضمن كتاب أعمال المؤتمر العلمي الدولي “أبعاد الصراع الإقليمي والدولي وتداعياته على أمن واستقرار ليبيا، الذي نظمه المركز الديمقراطي العربي ببرلين، بالتعاون مع جامعة الجفرة ـــ ليبيا، خلال يومي 15 و16 نوفمبر 2020م، عبر تقنية التحاضر زووم.
 
رابعاً: مواقع الكترونية:
– نورة الحفيان، التسوية السياسية في ليبيا: الإشكاليات والتحديات، المعهد المصري للدراسات،18 فبراير 2020م.
https://bit.ly/3aLFL5i
-2 الحسين العلوي، الأزمة الليبية بين صراع الإرادات الدولية والانقسام الداخلي، مركز الجزيرة للدراسات، 21 ديسمبر/كانون الأول 2020م.
https://bit.ly/3pn9zck
-3 التدخل التركي في ليبيا: المحددات والتحديات، مركز الإمارات للسياسات، 4 أغسطس 2020م.
https://bit.ly/3nYJ91G
4- عماد قدورة، السياسة البحرية التركية في المتوسط والتدخل العسكري في ليبيا، دراسات، المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات، 23 أب/أغسطس، 2020م.
https://bit.ly/34tpsWO
5- بيان الممثلة الخاص للأمين العام للأمم المتحدة في ليبيا بالإنابة، ستيفاني وليامز، حول الجولة الأولى لملتقى الحوار السياسي الليبي، إدارة الأمم المتحدة للشؤون السياسية، unsmil، 16 نوفمبر 2020م.
https://bit.ly/3ADW1Dp 
  -6اتفاق لوقف إطلاق النار بين طرفي النزاع في ليبيا، وكالة الأناضول، 23/10/2020م.
https://bit.ly/3lbJhcd
7- أثير كاكان، خبراء يحذرون من سلبية الدور الأمريكي في ليبيا، وكالة الأناضول، 27/4/2017م.
https://bit.ly/38BayzO
8- إيمان مهذب، وغازي كشميم، الحرب في ليبيا اصطفافات ومواقف إقليمية ودولية تفرقها المصالح ويحكمها، الجزيرة نت، 23/ 7/ 2020م.
https://bit.ly/2OAyVq6
9- انتخاب السلطة التنفيذية الجديدة في ليبيا: حيثياته وآفاقه، العربي الجديد، 8 شباط/فبراير 2021م.
https://bit.ly/3ucSXaK
10- تشكيل حكومة ليبيا المؤقتة، هل يكون فاتحة لحلحلة ملفات أخرى؟ مركز الفكر الاستراتيجي للدراسات، 20 فبراير 2021م.
https://bit.ly/2OHNDf3
11- “الرئاسي الليبي”: “البعثة الأممية تلجأ لخيار تشكيل القوائم”، وكالة الأناضول، 2/2/2021م.
https://bit.ly/3lbwXst
12- منى سلمان، مجلس رئاسي جديد.. قراءة في المواقف والتحديات، مجلة السياسة الدولية، 13/2/2021م.
https://bit.ly/37qS1pb
13- انتخاب المنفي رئيساً للمجلس الرئاسي الليبي والدبيبة للحكومة، العربي الجديد، 5 فبراير 2021م.
https://bit.ly/30M34FD
14- السنوسي بسيكري، المجلس الرئاسي الجديد في ليبيا.. فرص وتحديات، عربي21، 06، فبراير 2021م.
https://bit.ly/3g1RnFf
15- ترحيب دولي وأممي بالحكومة الليبية الجديدة، أوغاريت بوست، 10/2/2021م.
https://bit.ly/38E3jHc
16- تحقيق: ليبيا بين آمال طي صفحة الماضي والمهام الصعبة، رأي اليوم، 11/3/2021م.
https://bit.ly/2OSXuyz
17- مستشار أردوغان: الحكومة الليبية الجديدة لا تعارض الوجود التركي، DW عربية، 7/2/2021م.
https://bit.ly/3cq35EJ
18- الدبيبة يتعهد بإنجاز استحقاقات المرحلة.. منح الثقة للحكومة الليبية الجديدة وسط ترحيب محلي وأممي، الجزيرة، 11/3/2021م.
https://bit.ly/38C8wzs
19- ترحيب دولي بالحكومة الليبية ودعوات لانسحاب المرتزقة، عربي21، 12 مارس 2021م.
https://bit.ly/2ONsSPg
20- السنوسي البسيكري، الحوار الليبي بقيادة أممية جديدة: التحديات وفرص النجاح، مركز الجزيرة للدراسات، 7 ديسمبر 2015م.
https://bit.ly/3bJ9MCR
21- ليبيا.. دبيبة يدعو الجميع للالتفاف حول السلطة الجديدة وقوات حفتر ترحب بانتخابها، الجزيرة، 7/2/2021م.
https://bit.ly/2NgO27X
22- حكومة الوحدة الوطنية الليبية برئاسة الدبيبة تنال ثقة مجلس النواب الليبي في سرت، العربي الجديد، 10 مارس 2021م.
https://bit.ly/3vjxbm9
23- محمود سامي، بين التهدئة والتوتر: سيناريوهات العلاقات المصرية التركية عام 2021م، الجزيرة، 31/12/2020م.
http://bit.ly/30RvTAS
Leave a Reply

Your email address will not be published.Required fields are marked *